هل حروف اللغة العربية من اللغة الآرامية (السريانية)



أرسل لي زميل عزيز عدة مقاطع صغيرة مدموجة في مقطع أكبر تقول هذه المقاطع بأن حروف اللغة العربية الأصلية  22 حرفا وأنها حروف تعود أصولها إلى اللغة الآرامية (السريانية)

وعلي و قبل ان أخوض في الرد على هذه الشبهات ،  بأن أعرف بنفسي فأنا (طبيب) جّل وقتي ذهب ويذهب للبحث في مجال تخصصي الأصلي الطبي والذي عشقته منذ أن كنت طالبا في المرحلة المتوسطة
غير أنني ومن باب التشوق أمضيت قسما كبيرا من طفولتي المتأخرة ومراهقتي وشبابي الأول في دراسة لغات عديدة ولم أدرس هذه اللغات دراسة (مدرسية) محكمة ولكن كلها كانت بجهد (شخصي) وكان الباعث من تعلم هذه اللغات هو زيادة المدارك وتتبع بعض الكلمات (العامية) في لغة العرب وردها لأصولها وعليه فقد صرفت وقتا كبيرا ومنذ زمن بعيد في تعلم اللغة الأنجليزية واللغة الأغريقية القديمة  واللغة اللأتينية  ومن اللغات الشرقية  تناولت اللغة الفارسية والعبرية والآرامية والصينية  
وكانت دراستي الذاتية لهذه اللغات جميعها جاءت مصداقا لقول العرب (يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق) أي أن أستطيع قراءة الكلمات وفهم معانيها والبحث عنها في قواميس هذه اللغات ولقد أستفدت من ذلك فوائد جمة وحالي مع كل هذه اللغات كحال طفل صغير بالكاد أخذ يحبو ليكتشف محيطه المدهش.

وبعد التعريف أدخل في صلب الموضوع فأقول مستعينا بالله العزيز الحكيم أن عدد حروف اللغة الآرامية(السريانية) هو  22 حرفا : وهي مجموعة في القول المشهور :
أبجد   هوز   حطي   كلمن   سعفص    قرشت
(أنظر الرسمة المرفقة لبيان هذه الحروف)





أما عدد حروف اللغة العربية فهو 28 حرفا وهي :
ا    ب ت ث    ج ح خ     د ذ    ر ز    س ش   ص ض    ط ظ     ع غ     ف ق    ك ل    م  ن  هـ  و  ي


أن قول المستشرقين القدماء منهم والجدد ومن سار في ركابهم وتأثر بفكرهم من بني العرب بأن عدد حروف اللغة العربية هي 22 حرفا فقط وأنها  حروف آرامية (سريانية) هو قول مغلوط تماما لعدة أسباب من اهمها أن مباني (شكل) الحروف العربية مختلف تماما عن مباني الحروف الآرامية (أنظر الشكل أعلاه لتتضح الصورة ) والسبب الآخر أنهم بقولهم هذا أرادو  حذف واسقاط حروفا (ستة) أصلية الا وهي حروف : (ث) ، (خ) ، (ذ) ، (ض) ، (ظ) ، (غ)
وأني لأسال كم هو عدد الكلمات التي تحتوي حرفا أو أكثر من هذه الحروف الستة في لغة العرب سنجد مئات الآلوف بل الملايين من الكلمات في أشعار العرب وأخبارهم ولأن بعضهم لا زال يعتقد بآرامية بعض مفردات القرآن الكريم فأقول لهم  الحمد لله فالقرآن الكريم يمكن حصر حروفه  وكلماته ، لقد سألت السؤال و لكني  في نفس الوقت سأكفيهم مؤنة الأجابة ، أعلموا  أن الحروف (الستة) التي أسقطتموها  أو التي لم تقروا بأنها من حروف اللغة العربية ظهرت في قرآننا الكريم الخالد بهذا العدد (دراسات حسابية قام بها كاتب السطور) : 
حرف (ث) ظهر 1414 مرة
حرف (خ) ظهر 2497 مرة
حرف (ذ) ظهر 4932 مرة
حرف (ض) ظهر 1686 مرة
حرف (ظ) ظهر 853 مرة
حرف (غ) ظهر 1221 مرة
فهل هذه الحروف الستة التي أسقطتموها هي حروف أصيلة أم لا؟
أن أسقاط هذه الحروف الستة أو أعتبارها  حتى غير أصلية  معناه عمليا شطب أو حتى أعتبار كل كلمة ورد فيها حرف أو أكثر من هذه الحروف الستة هي كلمة غريبة دخيلة فكم عندها سنشطب من قواميس اللغة  العربية والأعظم والأدهى من ذلك ، كم سنشطب من كلمات قرآننا المجيد؟

ولقد ذهب القوم بعيدا في تفسيراتهم الخاطئة وفي محاولاتهم البائسة باقناعنا بأن أعتبروا حرفا (ض) و (ظ) حرفاً واحدا و وحرفا (ف) و (ق) حرفاً واحدا  وحرفا (ت) و (ث) حرفاً واحدا وقس على ذلك ويبدو لي أنهم  لم يستحضروا _بسبب فساد طويتهم وخطورة ما يسعون لتحقيقة_بأن حروف اللغة العربية  في عصرها الأول  كانت غير منقوطة (انظر الرسمة أدناه -يرجى النقر عليها لوضوح أكثر) وأنه بأختلاط العرب الأقحاح مع الأعاجم (الجدد) والذي دخل الكثير منهم في دين الله أفواجا لم يستطع الكثير منهم حتى وبعد معرفتهم التامة بتهجئة حروف اللغة العربية  قراءة حتى القرآن الكريم لان حرف (ذ) غير المنقوط يظهر كحرف (د) وقس على ذلك جميع الحروف المنقوطة ما عدا حروف 7 حروف غير منقوطة هي (ك ل م ن  هـ و  ي).







وعليه فليس غريبا أن يتلو أحد الأعاجم الآية الكريمة في قوله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) ولأن التنقيط كما أسلفت في ذلك الوقت لم يكن موجودا فنطق ذلك الأعجمي (النحل) على نحو (النخل)  فسمعه أعرابي وكان من بادية العرب أميا لا يقرأ ولا يكتب فقال له قاتلك الله وهل يتخذ  (النخل) من الجبال بيوتا ،يا رجل  أنه (النحل) .
(أنظر الرسمة التي تبين كيف كانت الآية الكريمة تكتب غير منقوطة الحروف كما ظهرت في المصحف الأول- أنقر على الصورة لوضوح أكثر)



ويرجع الفضل بتنقيط حروف  اللغة العربية الى العلامة (ملك النحو) التابعي الجليل ظالم بن عمرو وشهرته أبوالأسود الديلي (الدؤلي) القرشي الكناني  مما ازال اللبس حروف اللغة العربية وخصوصا عن حروف القرآن الكريم فكان كما يقولون من "وضع النقاط على الحروف"

أن تناول بعض المستشرقين القدماء و (الجدد) و من سار على خطاهم من بعض العرب المقارنات بين اللغة العربية واللغات الآخرى (ارامية-عبرية) هو تناول جائر وظالم و لا يقوم على أبسط الأسس العلمية في علم (فقه اللغة) ولا يقوم على منهج التأصيل العلمي السليم بل ينطوي على طوية فاسدة تعمل ولا تزال على هدم اللغة العربية لسبب جوهري وهو أن اللغة العربية هي (وعاء) القرآن الكريم ومستودعه
وأختم بالقول مذكر الأحياء منهم ومن سار على شاكلتهم : أن معرفة  حروف أي لغة وكيفية رسمها ولفظها لا يخول الأنسان ولا يجعل منه عالما في ذيك اللغة أو تلك مالم يغوص في أعماق تلك اللغة ويسبر غورها ويفك كنهها .

كلمة عن (ملك) العربية ومنقطها :
هو القاضي التابعي الجليل ظالم بن عمرو و كنيته أبو الأسود الدؤلي ولد في الجاهلية ، وقد طغت كنيته (أبو الأسود)  على اسمه (ظالم) فاشتهر بها فلم يكن رحمه الله  ذا بشرة سوداء، وليس له ولد اسمه (أسود) ليكنى به  ويبدو أنه رضي بهذه الكنية ، لأن اسمه ( ظالم )  وكان يعمل في القضاء  فخشي ان يناديه أحد الخصوم بقوله يا (ظالم) وهو لفظ ثقيل في بلاط القضاء فآثر رحمه الله أبعاد اسمه عن نفسه حتى لا يؤثر على وظيفته والحقيقة انه لم (يظلم) اللغة العربية بل قدم لها خدمات جليلة في مبانيها وأعرابها.

تصويب واستدراك مهم  :
أقرأ وأسمع قولهم "الأبجدية العربية" وهذا خطأ شنيع والصواب "الحروف العربية" لان "أبجد" هي الحروف الأربعة  الأولى المتسلسلة في ترتيب الحروف في كل من اللغة العبرية والآرامية لذلك وجب الاستدراك

 

هلال

أصبح (الهلال) رمزا لكل ما هو أسلامي بلا منازع بل أن من كبار الدول الأسلامية جعلت الهلال في علمها الرسمي وقد ذهب غير واحد من البحاثة الى تفسيرات شتى في أتخاذ الهلال وجعله على مآذن المساجد وذهب بعض هذه التفسيرات بعيدا عن كل معقول.
والصواب بحسب الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن (الهلال) ومن ثم رؤيته أرتبط  بتحديد دخول وخروج (المواقيت الشرعية) في الأسلام فكان له علاقة وثيقة بعدة شعائر هامة في الأسلام لا تكون الا في أشهر معلومة وتسمى في الفقه (آهلة الشهور) يُعرف أبتداء الشهور وأنتهاءها  (أي الشهور الهجرية)  خذ على سبيل المثال مثلا تحري رؤية هلال شهر (رمضان) الكريم ورؤية هلال الشهر الذي يليه ( شهر شوال) الذي يؤذن بانقضاء شهر رمضان المبارك ثم تحديد الستة ايام المباركة فيه ثم  (أربعة أشهر حرم) وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، واحد فرد وثلاثة سرد ، ويأتي ضمنها مواقيت الحج وهي في مجموعها مواقيت عظيمة أقرها الله عز وجل في كتابه العظيم قال تعالى :
( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ( 36 ) . إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين)
ومعنى النسيء الوارد في الآية الكريمة هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر ، وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم ، وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم عليه السلام ، وكانت عامة معيشهم هي من الصيد والغارات التي تشنها قريش على من جاورهم فتجعلهم (صفرا)  ، فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر وعلى التوالي ، وربما إيضا وقعت حربا في بعض الأشهر الحرم فيكرهون تأخير حربهم ، فنسئوا أي : أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر ، فكان من عادتهم تأخير تحريم المحرم إلى صفر ، فيحرمون صفر ويستحلون المحرم ، فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم (صفر) وغالبا ما كانوا يختارون هذا الشهر بعينه  أخروه إلى ربيع ، هكذا شهرا بعد شهر ، حتى استدار التحريم على السنة كلها . فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه ، وذلك بعد دهر طويل ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته كما ورد في الحديث الشريف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " . وقال : " أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : أليس ذو الحجة؟ قلنا : بلى ، قال : أي بلد هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، فقال : أليس البلد الحرام؟ قلنا : بلى ، قال : فأي يوم هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر؟ قلنا : بلى ، قال : فإن دماءكم وأموالكم ، قال محمد : أحسبه قال : وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ، ألا هل بلغت ألا هل بلغت " ؟

حلب

حلب مدينة سورية مشهورة وهي أكبر مدنها على الأطلاق وتقع في الشمال الغربي وتبعد عن العاصمة دمشق حوالي 300 كم وهي من أقدم مدن العالم  ويعتقد أنها سكنت في الألف السادس قبل الميلاد وتعاقبت عليها حضارات عظيمة مثل الأمورية والحيثية والآرامية والأشورية والفارسية والهيلينية والأغريقية والبيزنطية والأسلامية .
وترد في كتب العرب القديم منها والحديث أن أسم المدينة العريقة أنما هو من (حلب) وذكروا أن ابراهيم عليه السلام كان يحلب (بقرة) كل يوم ويقدم حليبها للفقراء وزادوا  بوصف لون البقرة بأنها (شهباء)
فقالوا (حلب الشهباء) ولا شك أن هذا القول من الأسطورة لأن أسم (حلب) تقدم ظهور اللغة العربية باكثر من 2000 عام ،  أما مؤرخ (حلب) المشهور  خير الدين الأسدي فقد كتب في مجلة الضاد (1951) أن أصل كلمة (حلب) يعود إلى (حَلْ لَب) حيث أن معنى كلمة (حَلْ) هو المحل وكلمة (لَبْ) هو التجمع فيصبح معنى كلمة حلب هو (موضع التجمع).
يستدرك الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي على ذلك فيقول أن أسم (حلب) هو من اللغة الآرامية (اللغة السورية القديمة) وأسمها يكتب على نحو  (أنظر الرسمة المرفقة) ويلفظ على نحو (حلبو) في الآرامية الغربية أما في الآرامية الشرقية فليفظ على نحو (حلبا) و ويعني (خصب) أي أن أسم (حلب) هو  المكان أو الموضع (المخصب) وليس لأسمها علاقة لا بالحلب والحليب ولا بالبقرة الشهباء ولا بالتجمع.