دوشرمك

ذكر مؤرخون أتراك كبار لهم باع طويل وأقدام راسخة في تقصي التاريخ العثماني والذي أمتد حوالي 6 قرون وأجمعوا بما فيهم أستاذة وأكاديميون كبار من أمثال الاستاذ الدكتورقوندوز أحمد أغلو  والاستاذ الدكتور اورخان علي والأستاذ الدكتور سعيد اوزتورك  على أن نشأة نظام (دوشرمة) العثماني أنما كان الباعث له هو رفد الجيش العثماني بالجنود والمقاتلين وبشكل مستمر.

وقبل الأستطراد في الاستدراك (التصحيح) أود أن أقول أن كلمة (دوشرمه) هي كلمة عثمانية قديمة وتعني حرفيا (التجميع) ولكن تجميع من ولأي غاية؟
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي  لقد أراد سلاطين الدواة العثمانية (نسبة إلى عثمان بن أرطغرل)  أيجاد فرقا (جمع فرقة) يهيمن أفرادها على جميع مفاصل الحياة في الدولة ويدين أفرادها بالولاء المطلق والأعمى للسلطان.
ولكن كيف يتم ذلك ؟
يتم ذلك عن طريق جلب أطفال (نصارى) أعمارهم مابين 8-12 سنوات ومن ثم (أسلمتهم) وأخضاعهم لتلقين منهجي في (أندرون سلطاني) (اندرون كلمة أيطالية تعني داخلي) أي المدرسة الداخلية السلطانية حيث ينتقل الطفل النصراني في 4 مراحل مقننة وموزعة على حوالي 8-10 سنوات  فأول المراحل هي مرحلة (كوجك اوطا)  أي (الغرفة الصغيرة) حيث يتعلم الطفل النصراني الجديد مباديء الدين الأسلامي ثم إلى مرحلة (خزينة اوطا) وصولا إلى مرحلة (خاص اوطا) حيث يوزع في هذه (الغرفة الخاصة) الدوشرمة لتهيئتهم للقادم من مهام (سيأتي ذكرها).
يقول العطيات أن الغالبية العظمى من تشكيلة الـ(دوشرمه) هم من أطفال نصارى  وخصوصا من (صربيا) وقليل منهم من نصارى  (بوسنه)  ويجب في الطفل النصراني الذي تم أختياره أن يكون طفلا صحيحا خاليا من العيوب الجسمية الظاهرة وكل طفل نصراني ينتزع من عائلته  يدون أسمه بالكامل والمنطقة التي جلب منها وبحسب التوجهيات السلطانية لا يجوز أخذ أكثر من طفل واحد من العائلة الواحدة (هذا الشرط نقض لاحقا وتسبب في ظلم كبير ومآسي للكثير من العائلات النصرانية كما يقول العطيات) 
بعد أتمام جميع مراحل مدرسة الأندرون  يتقلد المتخرج رتبة عسكرية على نحو (ركابدار) وهو من يرافق السلطان ويخدمه في رحلات البر والبحر أو (جوخدار) وهو المسؤول عن لباس السلطان والسير خلفه ويحمل ما يقي السلطان من أشعة الشمس او الظروف الجوية كمطر او نحوه ومن وظائفه نثر النقود في موكب السلطان  أذا أمره السلطان بذلك أو (سلاحدار)  وهو من يسير بجواده أمام السلطان وخلفه ويحمل السلاح  وهو الذي يبعد عنه العامة ويفسح للموكب السلطان المرور أو أن يكون (جاشنكير باشي) وهو من يقوم على تهيئة  مائدة السلطان وتوزيع الطعام للصدور العظام والوزراء الكبراء في حضرة السلطان حينما يقيم السلطان مآدب الطعام وهو الملكف إيضا بجمع العرائض بعد صلاة الجمعة.
 لعب الدوشرمة دورا كبيرا في حماية سلاطين الدولة العثمانية بل ويذكر لنا التاريخ واحدا من أبرز الدوشرمه الا وهو (محمد صقللو باشا) وكان قد أنتزع من أسرته الصربية وهو في سن الثانية عشرة  وجلب لمدرسة الأندرون ومنح الأسم (محمد) وتخرج منها  وعين (سلاحدار) في الديوان السلطاني وتدرج حتى عين وزيرا للحرب  وذلك عام 1560 ميلادي بل وتزوج لاحقا من (اسمخان) أبنة السلطان سليم الثاني ومن شدة ولاءه للسلطام  سليمان القانوني أنه تمكن من أخفاء حقيقة  موت السلطان لحوالي 40 يوما ويقول العطيات أن هناك قرائن تشير الى كراهية السلطان مراد الثالث وربما تورطه في تسهيل مهمة في قتل محمد صقللو باشا  بطعنة غادرة من شخص قيل أنه مجنون  فمات صقللو متاثرا بجراحه.
لاشك أن جلب أطفال نصارى صغار وأقتلاعهم من بيئتهم وأدخالهم في نظام دراسي داخلي صارم (أندرون سلطاني) ولعدة سنوات ربما وصلت الى 10 سنوات وبعيدا عن التاثيرات الخارجية المحتملة (المعارضة) يشبه عملية غسل أدمغة لتحقيق هدف واحد نهائي وهو الطاعة العمياء لسلاطين الدولة العثمانية وهذا الذي تحقق بالفعل كما بينت شواهد السنين والأيام.

فائدة لغوية:
في مصر يقولون (أوظه أو أوطه) بمعنى غرفة والكلمة عثمانية قديمة