بين إبر تين ...(إبرة الحرس وإبرة التخصصي)

تم النشر بتاريخ 18-10-2016 الساعة 1:12 مساءا
ظهر في الأسبوعين الماضيين في القنوات الفضائية واسعة الأنشار وكتب بعضهم في (تويتر-فيسبوك)  أستشاريون  متخصصون في علاج السكري لدى الصغار والكبار في موضوع يمس شريحة كبيرة من الناس كبارا وصغارا ولقد تحدثوا للقنوات وكتبوا عن نوعين من الحقن (الإبر) (الجديدة) والتي يمكن أستعمالها في مرضى السكري وقدموها على أنها علاجات  (جديدة) و ثورية وناجعة لجميع أنواع داء السكري أوله (النوع الأول _ يصيب الصغار) وثانيه (النوع الثاني_ يصيب الكبار وبعض الأطفال) 

قلت ولقد أدى حديثهم وكتاباتهم الى حدوث فهم سوء شديد لدى هذه الشرائح المتعطشة لكل بارقة أمل لحلول جذرية لهذا الداء المزمن فكثر السؤال عن هذه الحقن (الإبر) السحرية والتي تجعل من مرض السكري شيئا من الماضي فكيف لا وهي إبر قالوا أنها تعطى فقط 3 مرات في الأسبوع وحتى مرتان في الأسبوع ، بل أن البعض قال أنها تعطى مرة كل أسبوع!!!!!.

وعلي كأستشاري متخصص في ذات المجال (أمراض السكري)  أن أبين الحقيقة للناس


وقبل أن استدرك (أي تصحيح ماقيل ووضعه في السياق العلمي الصحيح)  سآخذكم برحلة في علم وظائف الأعضاء (فسيولوجيا) وهي مبسطة وقصيرة وفيها شيء من التاريخ لكي نفهم الموضوع بشكل جيد.


الإبرة الأولى  (إبرة التخصصي) :
أقول وبالله التوفيق أنه و قبل نحو 30 عاما كان الترسب النشواني (Amyloid) من أبرز المظاهر النسيجية لمرض السكري من النوع الثاني فهو يترسب في الجزر البنكرياسية وأماكن أخرى  وفي 1985 تبين أن هناك مادة نشوانية أخرى  هي الأملين وهي أيضا من المواد المترسبة داخل جزر البنكرياس وبينت الأبحاث التالية أن (الأملين) أنما هو في حقيقة الأمر  منتج طبيعي تنتجه نفس الخلايا من نفس التي تنتج الأنسولين أي خلايا البيتا . بل أن الأبحاث التي أجريت في منتصف التسعينيات الميلادية تؤكد أن الأملين يفرز في نفس الحويصلات التي تحتوي على هرمون الأنسولين. إذا الأملين مفرز طبيعي لكن هذه المفرز أصابه نوع من (سوء التثني) (misfolding) والذي يؤدي بدوره الى أن الأملين (المعطوب) ولايؤدي المرجو منه في ضبط وكبح جماح ارتفاع سكر الدم والذي يلي تناول الوجبة بعد 1-2 ساعة بل ويصبح إيضا قابلا للترسب في الجزر البنكرياسية وبالتالي يؤدي ترسبه إلى دمار و هلاك الخلايا المنتجة للأنسولين .
ومن المعروف أن (الأملين) في الأنسان السليم له وظائف عدة أهمها أنه يقلل من أفراز هرمون الجلوكاجون (هرمون يرفع سكر الدم) والذي يحدث بعد حوالي 1-2 ساعة من تناول الطعام وآلية ذلك التحكم غير معروفة حتى الآن . و(الأملين) إيضا يبطئ من زمن أفراغ المعدة عن طريق التأثير من خلال العصب الحائر والذي يغذي المعدة والاثنى عشر فهو بذلك يبطيء بذلك من سرعة  دخول السكر إلى الدورة الدموية ويجعل أمتصاص السكر من المعدة بطيء وسلس


وقبل نحو 15 عاما تم تصنيع ناهض (agonist) دوائي للأملين  والناهض الدوائي هو pramlintide والذي توفر حينها تحت ماركة تجارية بأسم سيملين (Symlin) للحقن تحت الجلد
حيث يعطى السيملين في نفس وقت أعطاء الأنسولين. 

وكما بينت سابقا هذا الدواء ليس جديدا على الساحة و لقد تم تجريبه خلال 10 سنوات الماضية على الكبار ممن لديهم سكري النوع الثاني والنتائج كانت متضاربة معظمها يرجح فائدته المضافة. وهناك أبحاث قليلة تنصح بأستعماله عند الأطفال والمراهقين البدناء مما يعانون من النوع الثاني من داء السكري كدواء (أضافي) وليس كدواء بديل أي أنه يعطى مع جرعات الأنسولين بمعدل 3 جرعات يوميا (لا يخلط الأثنان وأنما يعطى كل واحد على حدة)

الإبرة الثانية (إبرة الحرس) :
يعتبر إنسولين (ديجلوديك) من أنواع الانسولين طويلة المدى وقد يصل مدى فعله في الجسم حوالي 48 ساعة. وهو أنسولين قامت بتطويره شركة (نوفو نورديسك) ويتم تسويقه حاليا تحت الاسم التجاري تريسيبا Tresiba
وهناك مرونة عالية في كيفية أعطاء التريسيبا ممكن مرتان يوميا  وصولا الى 3 مرات في الأسبوع.
أن الدراسات التي تمت على عينات من المرضى الكبار بينت أن (الترسيبا) مفيد وخصوصا لآولئك المرضى ممن لا يحتاجون لجرعات أنسولين عالية وبشكل يومي . وبينت الشركة في تقرير سلامة (التريسيبا) أنه لا ينصح بأستعماله في الأطفال أو هم دون سن 18 سنة وعزت السبب أنها تفتقر إلى معلومات السلامة والكفاءة لهذا الدواء في تلك الشريحة وعليه فلم تسمح الشركة في أستعماله في هذه الفئة العمرية (أنظر الفقرة المرفقة) لكن قرارها هذا قد يتغير بعد سنوات من التجارب على المراهقين والأطفال.





 

وعليه فأن الأبرتان والتي أحدثتا ضجة أعلامية كبيرة وأصبحتا حديث الناس في مواقع التواصل الأجتماعي ومجالسهم ليستا دواءا وحيدا قائما بذاته وأنما هي حقن (أضافية) كما أنه لا ينصح بأستعمالها -في الوقت الحاضر- لفئة المراهقين والأطفال.


وختاما أتمنى من زملائي المتخصصين توخي الأمانة العلمية وعدم أطلاق فرقعات أعلامية  قد يكون دافعها تحقيق سبق وشهرة للذات أو المنشأة الطبية وهي لا تقوم على أساس علمي بل أنها تتسبب في أحداث تشويش لا مبرر له بين مرضى السكري وبين أطبائهم